الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } * { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }

يقول تعالى ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره، وهي الجواري في البحر كالأعلام، أي كالجبال، قاله مجاهد والحسن والسدي والضحاك، أي هذه في البحر كالجبال في البر { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ } أي التي تسير في البحر بالسفن، لو شاء لسكنها حتى لا تحرك السفن، بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب، بل واقفة على ظهره، أي على وجه الماء { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ } أي في الشدائد { شَكُورٍ } أي إن في تسخيره البحر، وإجرائه في الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم، لدلالات على نعمه تعالى على خلقه لكل صبار، أي في الشدائد، شكور في الرخاء. وقوله عز وجل { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أي ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون فيها { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } أي من ذنوبهم، ولو آخذهم بجميع ذنوبهم، لأهلك كل من ركب البحر. وقال بعض علماء التفسير، معنى قوله تعالى { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أي لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية، فأخذت السفن، وأحالتها عن سيرها المستقيم، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبقة، لا تسير على طريق، ولا إلى جهة مقصد، وهذا القول يتضمن هلاكها، وهو مناسب للأول، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت، أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة، كما يرسل المطر بقدر الكفاية، ولو أنزله كثيراً جداً، لهدم البنيان، أو قليلاً، لما أنبت الزرع والثمار، حتى إنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحاً من أرض أخرى غيرها، لأنهم لا يحتاجون إلى مطر، ولو أنزل عليهم، لهدم بنيانهم، وأسقط جدرانهم، وقوله تعالى { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا فإنهم مقهورون بقدرتنا.