الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره، وهو الخالق لكل شيء، القاهر لكل شيء، المقتدر على كل شيء، فقال { قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم. وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالىخَلَقَ ٱلسَمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } الأعراف 54 ففصل ههنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولاً، لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف كما قال عز وجلهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } البقرة 29 الآية فأما قوله تعالىأَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَـٰهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَـٰهَا وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـٰهَا وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ } النازعات27-33 ففي هذ الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء، فالدحي هو مفسر بقوله { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض، فقبل خلق السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنه فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الآية من صحيحه فإنه قال وقال المنهال عن سعيد بن جبير قال قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني لأجد في القرآن أشياء تختلف علي، قالفَلآ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } المؤمنون 101وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } الصافات 27وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } النساء 42وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23 فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى { أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَـٰهَا } ــــ إلى قوله ــــ { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } فذكر خلق السماء، قبل الأرض ثم قال تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ - إلى قوله - طَآئِعِينَ } فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء، قالوَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } النساء 96عَزِيزاً حَكِيماً } النساء 56سَمِيعاً بَصِيراً } النساء 58 فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما { فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } في النفخة الأولى، ثم نفخ في الصور،فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلأََرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } الزمر 68 فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون بينهم في النفخة الأخرى { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } وأما قولهوَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } النساء 42وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } النساء 42 فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، فيقول المشركون تعالوا نقول لم نكن مشركين، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً، وعندهيَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } النساء 42 الآية، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء، فسواهن في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله تعالى دحاها.

السابقالتالي
2 3