الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } * { هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

قد أورد أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } سؤالاً، فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية، كيحيى وزكريا وشعياء، ومنهم من خرج من بين أظهرهم، إما مهاجراً كإبراهيم، وإما إلى السماء كعيسى، فأين النصرة في الدنيا؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين أحدهما أن يكون الخبر خرج عاماً، والمراد به البعض، قال وهذا سائغ في اللغة. الثاني أن يكون المراد بالنصر والانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبهم، أو بعد موتهم، كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء، سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم، وسفك دماءهم، وقد ذكر أن النمروذ أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود، فسلط الله تعالى عليهم الروم، فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم، ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إماماً عادلاً، وحكماً مقسطاً، فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود، ويقتل الخنزير ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام، وهذه نصرة عظمية، وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر، وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا، ويقر أعينهم ممن آذاهم. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي ولياً، فقد بارزني بالحرب " وفي الحديث الآخر " إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث بالحرب " ولهذا أهلك الله عز وجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين، فلم يهلك منهم أحداً، وعذب الكافرين، فلم يفلت منهم أحداً، قال السدي لم يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه، أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون، فيذهب ذلك القرن، حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم، فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا. قال فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا، وهم منصورون فيها. وهكذا نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه، فجعل كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان، وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية، وجعل له فيها أنصاراً وأعواناً، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر، فنصره عليهم، وخذلهم، وقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، فاستاقهم مقرنين في الأصفاد، ثم منَّ عليهم بأخذه الفداء منهم، ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة، فقرت عينه ببلده، وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم، فأنقذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك، وفتح له اليمن، ودانت له جزيرة العرب بكاملها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ثم قبضه الله تعالى إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة، فأقام الله تبارك وتعالى أصحابه خلفاء بعده، فبلغوا عنه دين الله عز وجل، ودعوا عباد الله تعالى إلى الله جل وعلا، وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب،حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها.

السابقالتالي
2