الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ }

يقول تعالى ما يدفع ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان { إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه، { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } أي في أموالها ونعيمها وزهرتها كما قال جل وعلا { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } وقال عز وجلنُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } لقمان 24 ثم قال تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه بأن له أسوة فيمن سلف من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنه قد كذبهم أممهم، وخالفوهم، وما آمن بهم منهم إلا قليل، فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } وهو أول رسول بعثه الله ينهى عن عبادة الأوثان، { وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } أي من كل أمة، { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي حرصوا على قتله بكل ممكن، ومنهم من قتل رسوله، { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي ما حلوا بالشبهة ليردوا الحق الواضح الجلي. وقد قال أبو القاسم الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عارم أبو النعمان، حدثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعان باطلاً ليدحض به حقاً، فقد برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم " وقوله جلت عظمته { فَأَخَذَتْهُمُ } أي أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الآثام والذنوب العظام، { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي فكيف بلغك عذابي لهم، ونكالي بهم؟ قد كان شديداً موجعاً مؤلماً. قال قتادة كان والله شديداً. وقوله جل جلاله { وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } أي كما حقت كلمة العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة، كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الأولى والأحرى لأن من كذبك فلا وثوق له بتصديق غيرك، والله أعلم.