الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } * { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } * { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }

هذا إخبار من الله عز وجل عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة، فقال { يٰقَوْمِ إِنِّىۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } أي الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حل بهم بأس الله، وما رده عنهم راد، ولا صده عنهم صاد { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } أي إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم، وتكذيبهم رسله، ومخالفتهم أمره، فأنفذ فيهم قدره، ثم قال { وَيٰقَوْمِ إِنِّىۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } يعني يوم القيامة، وسمي بذلك، قال بعضهم لما جاء في حديث الصور أن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر، وماجت وارتجت، فنظر الناس إلى ذلك، ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضاً. وقال آخرون منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بجنهم ذهب الناس هراباً منهم، فتتلقاهم الملائكة، فتردهم إلى مقام المحشر، وهو قوله تعالىوَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } الحاقة 17 وقولهيٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَـٰرِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَـٰنٍ } الرحمن 33 وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن والضحاك أنهم قرؤوا يوم التناد، بتشديد الدال من ند البعير، إذا شرد وذهب. وقيل لأن الميزان عنده ملك، إذا وزن عمل العبد فرجح، نادى بأعلى صوته ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خف عمله، نادى ألا قد شقي فلان بن فلان. وقال قتادة ينادي كل قوم بأعمالهم، ينادي أهل الجنة أهل الجنة، وأهل النار أهل النار، وقيل سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النارأَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ } الأعراف 44 ومناداة أهل النار أهل الجنةأَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } الأعراف 50 ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف، واختار البغوي وغيره أنه سمي بذلك لمجموع ذلك، وهو قول حسن جيد، والله أعلم. وقوله تعالى { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } أي ذاهبين هاربينكَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } القيامة 11 ــــ 12 ولهذا قال عز وجل { مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه، { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } أي من أضله الله فلا هادي له غيره. وقوله تبارك وتعالى { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } يعني أهل مصر، وقد بعث الله فيهم رسولاً من قبل موسى عليه الصلاة والسلام، وهو يوسف عليه الصلاة والسلام، كان عزيز أهل مصر، وكان رسولاً يدعو إلى الله تعالى أمته بالقسط، فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي، ولهذا قال تعالى { فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } أي يئستم، فقلتم طامعين { لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } وذلك لكفرهم وتكذيبهم { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } أي كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله، وارتياب قلبه، ثم قال عز وجل { ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ } أي الذين يدفعون الحق بالباطل، ويجادلون بالحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشد المقت، ولهذا قال تعالى { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي والمؤمنون أيضاً يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته، يطبع الله على قلبه، فلا يعرف بعد ذلك معروفاً، ولا ينكر منكراً، ولهذا قال تبارك وتعالى { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ } أي على اتباع الحق { جَبَّارٍ } وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة، وحكي عن الشعبي أنهما قالا لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين.

السابقالتالي
2