الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } * { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ }

يقول تعالى مخبراً عن الكفار أنهم ينادون يوم القيامة، وهم في غمرات النيران يتلظون، وذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به، فمقتوا عند ذلك أنفسهم، وأبغضوها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخباراً عالياً، نادوهم نداء بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان فيكفرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة. قال قتادة في قوله تعالى { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ فَتَكْفُرُونَ } يقول لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه، وأبوا أن يقبلوه، أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة، وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذر بن عبيد الله الهمداني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير الطبري رحمة الله عليهم أجمعين. وقوله { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه هذه الآية كقوله تعالىكَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } البقرة 28 وكذا قال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو مالك، وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية. وقال السدي أميتوا في الدنيا، ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا، ثم أميتوا، ثم أحيوا يوم القيامة، وقال ابن زيد أحيوا حين أخذ عليهم المثياق من صلب آدم عليه السلام، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة، وهذان القولان من السدي وابن زيد ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات، والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما، والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة، وهم وقوف بين يدي الله عز وجل في عرصات القيامة كما قال عز وجلوَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } السجدة 12 فلا يجابون، ثم إذا رأوا النار وعاينوها، ووقفوا عليها ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنكال، سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة، فلا يجابون، قال الله تعالىوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِـآيَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } الأنعام 27 ــــ 28 فإذا دخلوا النار، وذاقوا مسّها وحسيسها ومقامعها وأغلالها، كان سؤالهم للرجعة أشد وأعظموَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

السابقالتالي
2 3