الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا. وقد قيل إن { حـمۤ } اسم من أسماء الله عز وجل، وأنشدوا في ذلك بيتاً
يُذَكِّرُني حاميمَ والرُّمْحُ شاجِرٌ فَهَلاَّ تَلاحاميمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ   
وقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي من حديث الثوري عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة قال حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن بيتم الليلة، فقولوا حم لا ينصرون " وهذا إسناد صحيح، واختار أبو عبيد أن يروى فقولوا حم، لا ينصروا، أي إن قلتم ذلك، لا ينصروا، جعله جزاء لقوله فقولوا. وقوله تعالى { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي تنزيل هذا الكتاب، وهو القرآن، من الله ذي العزة والعلم، فلا يرام جنابه، ولا يخفى عليه الذر وإن تكاثف حجابه. وقوله عز وجل { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } أي يغفر ما سلف من الذنب، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه. وقوله جل وعلا { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي لمن تمرد وطغى، وآثر الحياة الدنيا، وعتا عن أوامر الله تعالى وبغى، وهذه كقولهنَبِّىءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } الحجر49-50 يقرن هذين الوصفين كثيراً في مواضع متعددة من القرآن ليبقى العبد بين الرجاء والخوف، وقوله تعالى { ذِى ٱلطَّوْلِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني السعة والغنى، وهكذا قال مجاهد وقتادة، وقال يزيد بن الأصم ذي الطول، يعني الخير الكثير. وقال عكرمة { ذِى ٱلطَّوْلِ } ذي المن. وقال قتادة ذي النعم والفواضل، والمعنى أنه المتفضل على عباده، المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والإنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منهاوَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } الآية إبراهيم 34. وقوله جلت عظمته { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا نظير له في جميع صفاته، فلا إله غيره، ولا رب سواه { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع والمآب، فيجازي كل عامل بعمله،وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } الرعد 41 وقال أبو بكر بن عياش سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا أمير المؤمنين إني قتلت، فهل لي من توبة؟ فقرأ عمر رضي الله عنه { حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } وقال اعمل ولا تيأس. رواه ابن أبي حاتم واللفظ له، وابن جرير. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا موسى بن مروان الرقي، حدثنا عمر، يعني ابن أيوب، حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم قال كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر، فقال ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب.

السابقالتالي
2