يقول تعالى ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه، وكما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث، فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله، وإنما ذلك إلى الإمام، أو نائبه، وقوله { إِلاَّ خَطَئاً } قالوا هو استثناء منقطع، كقول الشاعر
مِنَ البِيْضِ لَمْ تَظْعَنْ بَعيداً ولَمْ تَطَأْ على الأرض إِلا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ
ولهذا شواهد كثيرة. واختلف في سبب نزول هذه، فقال مجاهد وغير واحد نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه، وهي أسماء بنت مخرمة، وذلك أنه قتل رجلاً يعذبه مع أخيه على الإسلام، وهو الحارث بن يزيد الغامدي، فأضمر له عياش السوء، فأسلم ذلك الرجل وهاجر، وعياش لا يشعر، فلما كان يوم الفتح، رآه فظن أنه على دينه، فحمل عليه فقتله، فأنزل الله هذه الآية. قال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم نزلت في أبي الدرداء لأنه قتل رجلاً، وقد قال كلمة الإيمان حين رفع عليه السيف، فأهوى به إليه، فقال كلمته، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال إنما قالها متعوذاً فقال له " هل شققت عن قلبه؟ " وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء. وقوله { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } هذان واجبان في قتل الخطأ، أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم، وإن كان خطأ، ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة، فلا تجزىء الكافرة، وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا لا يجزىء الصغير حتى يكون قاصداً للإيمان، وروي من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، قال في مصحف أبيّ فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزىء فيها صبي، واختار ابن جرير أنه إن كان مولوداً بين أبوين مسلمين، أجزأ، وإلا فلا، والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلماً، صح عتقه عن الكفارة، سواء كان صغيراً أو كبيراً. قال الإمام أحمد أنبأنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله، عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء، فقال يا رسول الله، إن علي عتق رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها، فقال لها رسول الله " أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ " قالت نعم. قال " أتشهدين أني رسول الله؟ "