الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }

قال سعيد بن جبير وقتادة كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئاً، فأنزل الله { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الآية، أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى، يستوون في أصل الوراثة، وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة، أو زوجية، أو ولاء، فإنه لحمة كلحمة النسب. وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال جاءت أم كُجَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنتين، قد مات أبوهما، وليس لهما شيء، فأنزل الله تعالى { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الآية، وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر، والله أعلم. وقوله { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } الآية، قيل المراد وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث { وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ } ، فليرضخ لهم من التركة نصيب، وأن ذلك كان واجباً في ابتداء الاسلام، وقيل يستحب. واختلفوا هل هو منسوخ أم لا؟ على قولين، فقال البخاري حدثنا أحمد بن حميد، أخبرنا عُبيد الله الأشجعي، عن سفيان، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ }. قال هي محكمة، وليست بمنسوخة. تابعه سعيد عن ابن عباس. وقال ابن جرير حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال هي قائمة يعمل بها. وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية، قال هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي موسى وعبد الرحمن بن أبي بكر وأبي العالية والشعبي والحسن. وقال ابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري ويحيى بن يعمر إنها واجبة. وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن إسماعيل بن علية، عن يونس بن عبيد، عن ابن سيرين قال ولي عبيدة وصية، فأمر بشاة فذبحت، فأطعم أصحاب هذه الآية، وقال لولا هذه الآية، لكان هذا من مالي. وقال مالك فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع عن الزهري أن عروة أعطى من مال مصعب حين قسم ماله، وقال الزهري هي محكمة. وقال مالك عن عبد الكريم، عن مجاهد قال هي حق واجب ما طابت به الأنفس.ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، والقاسم بن محمد، أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية، قالا فلم يدع في الدار مسكيناً، ولا ذا قرابة، إلا أعطاه من ميراث أبيه، قالا وتلا { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } ، قال القاسم فذكرت ذلك لابن عباس، فقال ما أصاب، ليس ذلك له، إنما ذلك إلى الوصية، وإنما هذه الآية في الوصية، يريد الميت يوصي لهم، رواه ابن أبي حاتم.

السابقالتالي
2 3 4