يقول تعالى منكراً على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين، واختلف في سبب ذلك، فقال الإمام أحمد حدثنا بهز، حدثنا شعبة، قال عدي بن ثابت أخبرني عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم، وفرقة تقول لا، هم المؤمنون، فأنزل الله { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد " أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة. وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبد الله ابن أبي ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش، رجع بثلثمائة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا إن لقينا أصحاب محمد، فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله، أو كما قالوا أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا، ولم يتركوا ديارهم، نستحل دماءهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين، والرسول عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء، فنزلت { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } رواه ابن أبي حاتم، وقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا. وقال زيد بن أسلم عن ابن لسعد بن معاذ إنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي، حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك، وهذا غريب، وقيل غير ذلك. وقوله تعالى { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ } أي ردهم، وأوقعهم في الخطأ، قال ابن عباس { أَرْكَسَهُمْ } أي أوقعهم، وقال قتادة أهلكهم، وقال السدي أضلهم، وقوله { بِمَا كَسَبُوۤاْ } أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي لا طريق له إلى الهدى، ولا مخلص له إليه، وقوله { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } أي هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم، ولهذا قال { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } أي تركوا الهجرة، قاله العوفي عن ابن عباس، وقال السدي أظهروا كفرهم، { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي لا توالوهم، ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك، ثم استثنى الله من هؤلاء، فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَـٰقٌ } أي إلا الذين لجؤوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة، أو عقد ذمة، فاجعلوا حكمهم كحكمهم، وهذا قول السدي وابن زيد وابن جرير، وقد روى ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأحد، وأسلم من حولهم، قال سراقة بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج، فأتيته، فقلت أنشدك النعمة، فقالوا صه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم