يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد، وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله { ثُبَاتٍ } أي جماعة بعد جماعة، وفرقة بعد فرقة، وسرية بعد سرية، والثبات جمع ثبة، وقد تجمع الثبة على ثبين، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } أي عصباً، يعني سرايا متفرقين { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } يعني كلكم، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وخصيف الجزري. وقوله تعالى { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } قال مجاهد وغير واحد نزلت في المنافقين. وقال مقاتل بن حيان { لَّيُبَطِّئَنَّ } أي ليتخلفن عن الجهاد. ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه، ويبطىء غيره عن الجهاد، كما كان عبد الله بن أبي ابن سلول ـ قبحه الله ـ يفعل، يتأخر عن الجهاد، ويثبط الناس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جريج وابن جرير، ولهذا قال تعالى إخباراً عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد { فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة { قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال، يعد ذلك من نعم الله عليه، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل. { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } أي نصر وظفر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } أي كأنه ليس من أهل دينكم { يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } أي بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه، وهو أكبر قصده وغاية مراده. ثم قال تعالى { فَلْيُقَاتِلْ } أي المؤمن النافر { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا، وما ذلك إِلا لكفرهم وعدم إيمانهم، ثم قال تعالى { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي كل من قاتل في سبيل الله، سواء قتل أو غلب أو سُلِب، فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل، كما ثبت في الصحيحين " وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة ".