الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } * { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي، لما فعلوه لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن، أو كان فكيف كان يكون، ولهذا قال تعالى { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } الآية، قال ابن جرير حدثني المثنى، حدثني إسحاق، حدثنا أبو زهير عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السبيعي، قال لما نزلت { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } الآية، قال رجل لو أمرنا، لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " ، ورواه ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن منير، حدثنا روح، حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن الأعمش، قال لما نزلت { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } الآية، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو فعل ربنا، لفعلنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " وقال السدي افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي والله لقد كتب الله علينا القتل، فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت والله لو كتب علينا { أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } ، لفعلنا، فأنزل الله هذه الآية. ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا بشر بن السري، حدثنا مصعب ابن ثابت عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير قال لما نزلت { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو نزلت، لكان ابن أم عبد منهم " وحدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، قال لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } الآية، أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هذه إلى عبد الله بن رواحة، فقال " لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل " يعني ابن رواحة، ولهذا قال تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به، وتركوا ما ينهون عنه، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي من مخالفة الأمر، وارتكاب النهي { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } ، قال السدي أي وأشد تصديقاً { وَإِذاً لآتَيْنَـٰهُمْ مِّن لَّدُنَّـآ } أي من عندنا { أَجْراً عَظِيماً } يعني الجنة { وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } أي من عمل بما أمره الله به، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقاً للأنبياء، ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم.

السابقالتالي
2 3 4 5