الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

يقول تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ } أي فرضت طاعته على من أرسله إليهم. وقوله { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قال مجاهد أي لا يطيع أحد إلا بإذني، يعني لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك، كقولهوَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } آل عمران 152 أي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم. وقوله { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } الآية، يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك، تاب الله عليهم، ورحمهم، وغفر لهم، ولهذا قال { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه " الشامل " الحكاية المشهورة عن العتبي، قال كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } وقد جئتك مستغفراً لذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول
يا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالقاعِ أَعْظُمُهُ فَطابَ مِنْ طِيْبِهِنَّ القاعُ والأَكَمُ نَفْسِي الفِداءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ ساكِنُهُ فيهِ العَفافُ وفيهِ الجُودُ والكَرَمُ   
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال يا عتبي الحق الأعرابي، فبشره أن الله قد غفر له». وقوله { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به، فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أي إذا حكموك، يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث " والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " وقال البخاري حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا معمر عن الزهري، عن عروة، قال خاصم الزبير رجلاً في شريج من الحرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك " فقال الأنصاري يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال " اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك "

السابقالتالي
2 3 4