الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً }

يقول تعالى آمراً أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات، ومتهدداً لهم إن لم يفعلوا بقوله { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَآ } قال بعضهم معناه من قبل أن نطمس وجوهاً، فطمسها هو ردها إلى الأدبار، وجعل أبصارهم من ورائهم، ويحتمل أن يكون المراد من قبل أن نطمس وجوهاً، فلا نبقي لها سمعاً ولا بصراً ولا أثراً، ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار. قال العوفي عن ابن عباس في الآية وهي { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } وطمسها أن تعمى { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَآ } يقول نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم، فيمشون القهقرى، ونجعل لأحدهم عينين من قفاه، وكذا قال قتادة وعطية العوفي، وهذا أبلغ في العقوبة والنكال، وهو مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل، ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سُبل الضلالة، يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم، وهذا كما قال بعضهم في قولهإِنَّا جَعَلْنَا فِىۤ أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَـٰنِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } يس 8 ـ 9 الآية إن هذا مثل ضربه الله لهم في ضلالهم، ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد من قبل أن نطمس وجوهاً، يقول عن صراط الحق، فنردها على أدبارها، أي في الضلال. قال ابن أبي حاتم وروي عن ابن عباس والحسن نحو هذا. قال السدي فنردها على أدبارها فنمنعها عن الحق، قال نرجعهم كفاراً ونردهم قردة، وقال ابن زيد نردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز. وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح عن عيسى بن المغيرة، قال تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب، فقال أسلم كعب زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمر على المدينة، فخرج إليه عمر، فقال يا كعب، أسلم. فقال ألستم تقرؤون في كتابكممَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } الجمعة 5 وأنا قد حملت التوراة، قال فتركه عمر، ثم خرج حتى انتهى إلى حمص، فسمع رجلاً من أهلها حزيناً وهو يقول { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } الآية، قال كعب يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية، ثم رجع، فأتى أهله في اليمن، ثم جاء بهم مسلمين. وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر من وجه آخر فقال حدثنا أبي، حدثنا ابن نفيل، حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حَلْبَس، عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني، قال كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب، وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبعثه إليه لينظر أهو هو؟ قال كعب فركبت حتى أتيت المدينة، فإذا تال يقرأ القرآن يقول { يَـٰأَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَآ } فبادرت الماء، فاغتسلت، وإني لأمس وجهي مخافة أن أطمس، ثم أسلمت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8