الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً }

يقول تعالى ذاماً الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين، والإحسان إلى الأقارب، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانهم من الأرقاء، ولا يدفعون حق الله فيها، ويأمرون الناس بالبخل أيضاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأي داء أدوأ من البخل " ؟ وقال " إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا " وقوله تعالى { وَيَكْتُمُونَ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } فالبخيل جحود لنعمة الله، لا تظهر عليه، ولا تبين، لا في مأكله، ولا في ملبسه، ولا في إعطائه وبذله، كما قال تعالىإِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } العاديات 6 ـ 7 أي بحاله وشمائلهوَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } العاديات 8 وقال ههنا { وَيَكْتُمُونَ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ولهذا توعدهم بقوله { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } والكفر هو الستر والتغطية، فالبخيل يستر نعمة الله عليه، ويكتمها ويجحدها، فهو كافر لنعم الله عليه، وفي الحديث " إن الله إذا أنعم نعمة على عبد، أحب أن يظهر أثرها عليه " ، وفي الدعاء النبوي " واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها عليك قابليها، وأتممها علينا " وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك، ولهذا قال تعالى { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } ، رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وقاله مجاهد و غير واحد، ولا شك أن الآية محتملة لذلك، والظاهر أن السياق في البخل بالمال، وإن كان البخل بالعلم داخلاً في ذلك بطريق الأولى، فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء، وكذلك الآية التي بعدها وهي قوله { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } فإنه ذكر الممسكين المذمومين، وهم البخلاء، ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم، ولا يريدون بذلك وجه الله، وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم العالم، والغازي، والمنفق، والمراؤون بأعمالهم، " يقول صاحب المال ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك، فيقول الله كذبت إنما أردت أن يقال جواد فقد قيل " أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا، وهو الذي أردت بفعلك، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعدي بن حاتم " إن أباك رام أمراً فبلغه " وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جدعان هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه؟ فقال

السابقالتالي
2