الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول تعالى { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } أي سعة وقدرة { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي الحرائر العفائف المؤمنات. وقال ابن وهب أخبرني عبد الجبار عن ربيعة { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } قال ربيعة الطول الهوى، يعني ينكح الأمة إذا كان هواه فيها، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، ثم أخذ يشنع على هذا القول. ويرده { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون، ولهذا قال { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ، قال ابن عباس وغيره فلينكح من إماء المؤمنين، وكذا قال السدي ومقاتل بن حيان. ثم اعترض بقوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } أي هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور. ثم { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } فدل على أن السيد هو ولي أمته، لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده، ليس له أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر " أي زان. فإن كان مالك الأمة امرأة، زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث " لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " وقوله تعالى { وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي عن طيب نفس منكم، ولا تبخسوا منه شيئاً استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات، وقوله تعالى { مُحْصَنَـٰت } أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه، ولهذا قال { غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة. وقوله تعالى { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ، قال ابن عباس { المسافحات } هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحداً أرادهن بالفاحشة، و { مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يعني أخلاء. وكذا روي عن أبي هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي، قالوا أخلاء. وقال الحسن البصري يعني الصديق. وقال الضحاك أيضاً { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ذات الخليل الواحد المقرة به، نهى الله عن ذلك. يعني تزويجها، ما دامت كذلك. وقوله تعالى { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } اختلف القراء في أحصن، فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد، مبني لما لم يسم فاعله، وقرىء بفتح الهمزة والصاد، فعل لازم، ثم قيل معنى القراءتين واحد، واختلفوا فيه على قولين أحدهما أن المراد بالإحصان ههنا الإسلام، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد ابن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي، وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب، وهو منقطع، وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع، قال وإنما قلنا ذلك استدلالاً بالسنة، وإجماع أكثر أهل العلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6