قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قوله { لَّن يَسْتَنكِفَ } لن يستكبر. وقال قتادة لن يحتشم { ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال { وَلاَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } وليس له في ذلك دلالة لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح، لأن الاستنكاف هو الامتناع، والملائكة أقدر على ذلك من المسيح، فلهذا قال { وَلاَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل. وقيل إنما ذكروا لأنهم اتُّخِذوا آلهة مع الله كما اتخِذ المسيح، فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده، وخلق من خلقه، كما قال تعالى{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } الأنبياء 26 الآيات، ولهذا قال { وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } أي فيجمعهم إليه يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه، ولا يحيف، ولهذا قال { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة، ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي، عن الأعمش، عن سفيان، عن عبد الله مرفوعاً، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } قال " أجورهم أدخلهم الجنة " { وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } قال " الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم " وهذا إسناد لا يثبت.. وإذا روي عن ابن مسعود موقوفاً، فهو جيد { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ } أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته، واستكبروا عن ذلك { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } كقوله{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } غافر 60 أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين. { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } يقول تعالى مخاطباً جميع الناس ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم، وهو الدليل القاطع للعذر، والحجة المزيلة للشبهة، ولهذا قال { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } أي ضياء واضحاً على الحق، قال ابن جريج وغيره وهو القرآن { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } أي جمعوا بين مقامي العبادة، والتوكل على الله في جميع أمورهم، وقال ابن جريج آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن. رواه ابن جرير { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ } أي يرحمهم، فيدخلهم الجنة، ويزيدهم ثواباً، ومضاعفة ورفعاً في درجاتهم من فضله عليهم، وإحسانه إليهم، { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي طريقاً واضحاً قصداً قواماً لااعوجاج فيه، ولا انحراف، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات.