الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } * { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

لما تضمن قوله تعالىإِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } النساء 63 إلى آخر السياق، إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم، والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب، قال الله تعالى { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ } أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك، فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب، وهو القرآن العظيم الذيلاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت 42، ولهذا قال { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أي في علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل، وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لايعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب، إلا أن يعلمه الله به، كما قال تعالىوَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } البقرة 225 وقالوَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } طه 110. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسن بن سهل الجعفري وعبد الله بن المبارك، قالا حدثنا عمران بن عيينة، حدثنا عطاء بن السائب، قال أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن، وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال قد أخذت علم الله، فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل، ثم يقرأ قوله { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }. قوله { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَشْهَدُونَ } أي بصدق ما جاءك، وأوحي اليك، وأنزل عليك، مع شهادة الله تعالى بذلك { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } قال محمد ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود، فقال لهم " إني لأعلم والله إنكم لتعلمون أني رسول الله " فقالوا ما نعلم ذلك. فأنزل الله عز وجل { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } الآية. وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَـٰلاَ بَعِيداً } أي كفروا في أنفسهم، فلم يتبعوا الحق، وسعوا في صد الناس عن اتباعه والاقتداء به، قد خرجوا عن الحق، وضلوا عنه، وبعدوا منه بعداً عظيماً شاسعاً، ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله، الظالمين لأنفسهم بذلك، وبالصد عن سبيله، وارتكاب مآثمه، وانتهاك محارمه، بأنه لا يغفر لهم، { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } أي سبيلاً إلى الخير { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } وهذا استثناء منقطع { خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } الآية، ثم قال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَـآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } أي قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل، فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه، يكن خيراً لكم. ثم قال { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم، ولا يتضرر بكفرانكم، كما قال تعالىوَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ } إبراهيم 8 وقال ههنا { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } أي بمن يستحق منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحق الغواية فيغويه، { حَكِيمًا } أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.