الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

قال ابن جرير اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم معنى ذلك { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يعني قبل موت عيسى يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم عليه السلام. ذكر من قال ذلك حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } ، قال قبل موت عيسى بن مريم عليه السلام. وقال العوفي عن ابن عباس مثل ذلك، وقال أبو مالك في قوله { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال ذلك عند نزول عيسى، وقبل موت عيسى بن مريم عليه السلام، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به. وقال الضحاك عن ابن عباس { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يعني اليهود خاصة. وقال الحسن البصري يعني النجاشي وأصحابه، رواهما ابن أبي حاتم. وقال ابن جرير حدثني يعقوب، حدثنا أبو رجاء عن الحسن { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال قبل موت عيسى، والله إنه لحي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا علي بن عثمان اللاحقي، حدثنا جويرية بن بشير، قال سمعت رجلاً قال للحسن يا أبا سعيد، قول الله عز وجل { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } ، قال قبل موت عيسى، إن الله رفع إليه عيسى، وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاماً يؤمن به البر والفاجر. وكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد، وهذا القول هو الحق، كما سنبينه بعد بالدليل القاطع إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان. قال ابن جرير وقال آخرون معنى ذلك { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } بعيسى قبل موت الكتابيّ، ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت، لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في الآية، قال لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى. حدثني المثنى، حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } كل صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته، قبل موت صاحب الكتاب. وقال ابن عباس لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى. حدثنا ابن حميد، حدثنا أبو نميلة يحيى بن واضح، حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، ولو عجل عليه بالسلاح، حدثني إسحاق ابن إبراهيم وحبيب بن الشهيد، حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال هي في قراءة أبيّ قبل موتهم، ليس يهودي يموت أبداً حتى يؤمن بعيسى، قيل لابن عباس أرأيت إن خرّ من فوق بيت؟ قال يتكلم به في الهويّ، قيل أرأيت إن ضربت عنق أحدهم؟ قال يلجلج بها لسانه، وكذا روى سفيان الثوري عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه السلام، وإن ضرب بالسيف تكلم به، قال وإن هوى تكلم به وهو يهوي، وكذا روى أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، فهذه كلها أسانيد صحيحة إلى ابن عباس، وكذا صح عن مجاهد وعكرمة ومحمد بن سيرين، وبه يقول الضحاك وجويبر، وقال السدي، وحكاه عن ابن عباس، ونقل قراءة أبي بن كعب قبل موتهم، وقال عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن فرات القزاز، عن الحسن في قوله { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت، وهذا يحتمل أن يكون مراد الحسن ما تقدم عنه، ويحتمل أن يكون مراده ما أراده هؤلاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد