الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } * { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم، وكفرهم بآيات الله، أي حججه وبراهينه، والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام، قوله { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله، فإنهم قتلوا جمعاً غفيراً من الأنبياء عليهم السلام. وقولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة وغير واحد أي في غطاء، وهذا كقول المشركينوَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِىۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } فصلت 5 الآية، وقيل معناه أنهم ادعوا أن قلوبهم غلف للعلم، أي أوعية للعلم، قد حوته وحصلته، رواه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، وقد تقدم نظيره في سورة البقرة، قال الله تعالى { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } فعلى القول الأول كأنهم يعتذرون إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول، لأنها في غلف وفي أكنة، قال الله بل هي مطبوع عليها بكفرهم. وعلى القول الثاني عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة. { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي تمرنت قلوبهم على الكفر والطغيان، وقلة الإيمان، { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰناً عَظِيماً } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني أنهم رموها بالزنا، وكذلك قال السدي وجويبر ومحمد بن إسحاق وغير واحد، وهو ظاهر من الآية، أنهم رموها وابنها بالعظائم، فجعلوها زانية، وقد حملت بولدها من ذلك، زاد بعضهم وهي حائض. فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه، وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء كقول المشركين { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } وكان من خبر اليهود، عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه، أنه لما بعث الله عيسى بن مريم بالبينات والهدى، حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات التي كان يبرىء بها الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويصور من الطين طائراً، ثم ينفخ فيه، فيكون طائراً يشاهد طيرانه بإذن الله عز وجل، إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه، ومع هذا كذبوه وخالفوه، وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم، حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة، بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام، ثم لم يقنعهم ذلك، حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان، وكان رجلاً مشركاً من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته اليونان، وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلاً يفتن الناس ويضلهم، ويفسد على الملك رعاياه، فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالمقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه عن الناس، فلما وصل الكتاب، امتثل والي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام، وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر، وقيل سبعة عشر نفراً، وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هنالك.

السابقالتالي
2 3 4 5