قال قتادة ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون نحن أولى بالله منكم، ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } الآية، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان، وكذا روي عن السدي ومسروق والضحاك وأبي صالح وغيرهم، وكذا روى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التوارة كتابنا خير الكتب، ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك، وقال أهل الإسلام لا دين إلا الإسلام، وكتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النبيين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا، فقضى الله بينهم، وقال { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } الآية. وخير بين الأديان فقال { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } إلى قوله { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَٰهِيمَ خَلِيلاً }. وقال مجاهد قالت العرب لن نبعث ولن نعذب، وقالت اليهود والنصارى{ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 111، وقالوا{ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَ أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ } آل عمران 24 والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي، ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه هو على الحق، سمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه، واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام، ولهذا قال بعده { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، كقوله{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } الزلزلة 7 ــــ8 وقد روي أن هذه الآية لما نزلت، شق ذلك على كثير من الصحابة. قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير، قال أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله، كيف الفلاح بعد هذه الآية { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } فكل سوء عملناه جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تنصب، ألست تحزن، ألست تصيبك اللأواء؟ "