الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

صلاة الخوف أنواع كثيرة، فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة، وتارة يكون في غير صوبها، والصلاة تارة تكون رباعية، وتارة تكون ثلاثية كالمغرب، وتارة تكون ثنائية كالصبح وصلاة السفر، ثم تارة يصلون جماعة، وتارة يلتحم الحرب، فلا يقدرون على الجماعة، بل يصلون فرادى، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ورجالاً وركباناً، ولهم أن يمشوا والحالة هذه، ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة. ومن العلماء من قال يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم، وبه قال أحمد بن حنبل. قال المنذري في " الحواشي " وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد، وإليه ذهب طاوس والضحاك، وقد حكى أبو عاصم العبادي عن محمد بن نصر المروزي أنه يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف، وإليه ذهب ابن حزم أيضاً. وقال إسحاق بن راهويه أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة تومىء بها إيماء، فإن لم تقدر فسجدة واحدة لأنها ذكر الله، وقال آخرون تكفي تكبيرة واحدة، فلعله أراد ركعة واحدة كما قاله الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه، وبه قال جابر بن عبدالله، وعبد الله بن عمر، وكعب، وغير واحد من الصحابة، والسدي، ورواه ابن جرير، ولكن الذي حكوه إنما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة كما هو مذهب إسحاق بن راهويه، وإليه ذهب الأمير عبد الوهاب بن بخت المكي، حتى قال فإن لم يقدر على التكبيرة، فلا يتركها في نفسه يعني بالنية. رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش، عن شعيب بن دينار عنه، فالله أعلم. ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الظهر والعصر، فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب، ثم العشاء، وكما قال بعدها يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق، فقال منهم قائلون لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير، ولم يرد منا تأخير الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق، وأخر آخرون منهم صلاة العصر، فصلوها في بني قريظة بعد الغروب، ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من الفريقين، وقد تكلمنا على هذا في كتاب " السيرة " ، وبينا أن الذين صلوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحق في نفس الأمر، وإن كان الآخرون معذروين أيضاً، والحجة ههنا في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة اليهود.

السابقالتالي
2 3 4 5