الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

يقول تعالى { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالىضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } الروم 28 أي تعلمونه من أنفسكم، وقال عز وجلوَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } العنكبوت 43 وقوله جل وعلا { قُرْءَاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ } أي هو قرآن بلسان عربي مبين، لا اعوجاج فيه، ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان، وإنما جعله الله تعالى كذلك، وأنزله بذلك { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي يحذرون ما فيه من الوعيد، ويعملون بما فيه من الوعد. ثم قال { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَـٰكِسُونَ } أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم، { وَرَجُلاً سَلَماً } أي سالماً { لِرَجُلٍ } أي خالصاً، لا يملكه أحد غيره { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } أي لا يستوي هذا وهذا، كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له؟ فأين هذا من هذا، قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد هذه الآية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص، ولما كان هذا المثل ظاهراً بيناً جلياً، قال { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي على إقامة الحجة عليهم، { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي فلهذا يشركون بالله. وقوله تبارك وتعالى { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق رضي الله عنه عند موت الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تحقق الناس موته، مع قوله عز وجلوَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } آل عمران 144 ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة، وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل، فيفصل بينكم، ويفتح بالحق، وهو الفتاح العليم، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين. ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة، فإنها شاملة لكل المتنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة. قال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي حاطب ــــ يعني يحيى بن عبد الرحمن ــــ عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال لما نزلت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزبير رضي الله عنه يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3