الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد، والأيد القوة في العلم والعمل. قال ابن عباس رضي الله عنهما، والسدي وابن زيد الأيد القوة، وقرأ ابن زيدوَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَـٰهَا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الذاريات 47 وقال مجاهد الأيد القوة في الطاعة. وقال قتادة أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة، وفقهاً في الإسلام، وقد ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم ثلث الليل، ويصوم نصف الدهر، وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وأنه كان أوابا " ، وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشؤونه. وقوله تعالى { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِشْرَاقِ } أي إنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار كما قال عز وجليَٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } سبأ 10 وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه، وترجع بترجيعه، إذا مر الطير وهو سابح في الهواء، فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور، لا يستطيع الذهاب، بل يقف في الهواء، ويسبح معه، وتجيبه الجبال الشامخات، ترجع معه، وتسبح تبعاً له. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن بشر عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغه أن أم هانىء رضي الله عنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، صلى الضحى ثمان ركعات، فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة، يقول عز وجل { يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِشْرَاقِ } ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس رضي الله عنهما كان لا يصلي الضحى، فأدخلته على أم هانىء رضي الله عنها، فقلت أخبري هذا ما أخبرتني به، فقالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي، ثم أمر بماء صب في قصعة، ثم أمر بثوب، فأخذ بيني وبينه، فاغتسل، ثم رش ناحية البيت، فصلى ثمان ركعات، وذلك من الضحى، قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء، قريب بعضهن من بعض، فخرج ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن { يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِشْرَاقِ } وكنت أقول أين صلاة الإشراق؟ وكان بعد يقول صلاة الإشراق، ولهذا قال عز وجل { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } أي محبوسة في الهواء { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } أي مطيع يسبح تبعاً له، وقال سعيد بن جبير وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } أي مطيع.

السابقالتالي
2