الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } * { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }

أما الكلام على الحروف المقطعة، فقد تقدم في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا. وقوله تعالى { وَٱلْقُرْءَانِ ذِى ٱلذِّكْرِ } أي والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد، ونفع لهم في المعاش والمعاد. قال الضحاك في قوله تعالى { ذِى ٱلذِّكْرِ } كقوله تعالىلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } الأنبياء 10 أي تذكيركم. وكذا قال قتادة، واختاره ابن جرير. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وإسماعيل بن أبي خالد وابن عيينة وأبو حصين وأبو صالح والسدي { ذِى ٱلذِّكْرِ } ذي الشرف، أي ذي الشأن والمكانة، ولا منافاة بين القولين فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير والإعذار والإنذار. واختلفوا في جواب هذا القسم، فقال بعضهم هو قوله تعالى { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } وقيل قوله تعالىإِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } ص 64 حكاهما ابن جرير. وهذا الثاني فيه بعد كبير، وضعفه ابن جرير، وقال قتادة جوابه { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } واختاره ابن جرير، ثم حكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه قال جوابه { صۤ } بمعنى صدق حق { وَٱلْقُرْءَانِ ذِى ٱلذِّكْرِ } وقيل جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها، والله أعلم، وقوله تبارك وتعالى { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } أي إن في هذا القرآن لذكرى لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر وإنما لم ينتفع به الكافرون لأنهم { فِى عِزَّةٍ } أي استكبار عنه وحمية، { وَشِقَاقٍ } أي ومخالفة له ومعاندة ومفارقة، ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل، وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء، فقال تعالى { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } أي من أمة مكذبة { فَنَادَواْ } أي حين جاءهم العذاب، استغاثوا وجأروا إلى الله تعالى، وليس ذلك بمجد عنهم شيئاً كما قال عز وجلفَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } الأنبياء 12 أي يهربونلاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَـٰكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } الأنبياء 13 قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التميمي قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله تبارك وتعالى { فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال ليس بحين نداء، ولا نزو، ولا فرار. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ليس بحين مغاث. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس نادوا النداء حين لا ينفعهم، وأنشد ــــ تذكر ليلى لات حين تذكر ــــ وقال محمد بن كعب في قوله تعالى { فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } يقول نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم، وقال قتادة لما رأوا العذاب، أرادوا التوبة في غير حين النداء، وقال مجاهد { فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } ليس بحين فرار ولا إجابة.

السابقالتالي
2