الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي عن أحوالهم، وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شرابهم، واجتماعهم في تنادمهم ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم يسعون ويجيئون بكل خير عظيم من مآكل ومشارب وملابس، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ } قال مجاهد يعني شيطاناً. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هو الرجل المشرك، يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا، ولا تنافي بين كلام مجاهد وابن عباس رضي الله عنهما فإن الشيطان يكون من الجن، فيوسوس في النفس، ويكون من الإنس، فيقول كلاماً تسمعه الأذنان، وكلاهما يتعاونان، قال الله تعالىيُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } الأنعام 112 وكل منهما يوسوس كما قال الله عز وجلمِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } الناس 4 ــــ 6 ولهذا { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أي أأنت تصدق بالبعث والنشور، والحساب والجزاء؟ يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد، والكفر والعناد، { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } قال مجاهد والسدي لمحاسبون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، ومحمد بن كعب القرظي لمجزيون بأعمالنا، وكلاهما صحيح، قال تعالى { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } أي مشرفون. يقول المؤمن لأصحابه وجلسائه من أهل الجنة، { فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن جبير وخليد العصري وقتادة والسدي وعطاء الخراساني يعني في وسط الجحيم، وقال الحسن البصري في وسط الجحيم كأنه شهاب يتقد، وقال قتادة ذكر لنا أنه اطلع، فرأى جماجم القوم تغلي، وذكر لنا أن كعب الأحبار قال في الجنة كوى، إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع فيها، فازداد شكراً. { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } يقول المؤمن مخاطباً للكافر والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك، { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } أي ولولا فضل الله عليَّ، لكنتُ مثلك في سواء الجحيم حيث أنت، محضر معك في العذاب، ولكنه تفضل عليَّ ورحمني، فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيدهوَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } الأعراف 43. وقوله تعالى { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }؟ هذا من كلام المؤمن مغبطاً نفسه بما أعطاه الله تعالى من الخلد في الجنة، والإقامة في دار الكرامة بلا موت فيها ولا عذاب، ولهذا قال عز وجل { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }.

السابقالتالي
2 3 4 5