الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } * { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } * { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } * { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } * { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }

يقول تعالى مخاطباً للناس { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالىوَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } العصر 1 ــــ 3 وقال عز وجللَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِىۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } التين 4 ــــ 6 وقال تعالىوَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } مريم 71 ــــ 72 وقال تعالىكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } المدثر 38 ــــ 39 ولهذا قال جل وعلا ههنا { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم، ولا يناقشون في الحساب، بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما شاء الله تعالى من التضعيف. وقوله جل وعلا { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } قال قتادة والسدي يعني الجنة، ثم فسره بقوله تعالى { فَوَٰكِهُ } أي متنوعة { وَهُم مُّكْرَمُونَ } أي يخدمون ويرفهون وينعمون { فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } قال مجاهد لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني، حدثنا حسان بن حسان، حدثنا إبراهيم بن بشر، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } ينظر بعضهم إلى بعض، حديث غريب. وقوله تعالى { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } كما قال عز وجل في الآية الأخرىيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَٰنٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } الواقعة 17 ــــ 19 نزه الله سبحانه وتعالى خمر الجنة عن الآفات التي في خمر الدنيا من صداع الرأس، ووجع البطن، وهو الغول، وذهابها بالعقل جملة، فقال تعالى ههنا { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } أي بخمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها ولا فراغها. قال مالك عن زيد بن أسلم خمر جارية بيضاء، أي لونها مشرق حسن بهي، لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة، إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم. وقوله عز وجل { لَّذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ } أي طعمها طيب كلونها، وطيب الطعم دليل على طيب الريح، بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك. وقوله تعالى { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } يعني لا تؤثر فيها غولاً، وهو وجع البطن، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وابن زيد كما تفعله خمر الدنيا من القولنج ونحوه لكثرة مائيتها، وقيل المراد بالغول ههنا صداع الرأس، وروي هكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما.

السابقالتالي
2 3