الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

قد تقدمت قصة يونس عليه الصلاة والسلام في سورة الأنبياء، وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " ونسبه إلى أمه، وفي رواية إلى أبيه. وقوله تعالى { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الموقر، أي المملوء بالأمتعة { فَسَـٰهَمَ } أي قارع { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } أي المغلوبين، وذلك أن السفينة تلعبت بها الأمواج من كل جانب، وأشرفوا على الغرق، فساهموا على من تقع عليه القرعة في البحر لتخف بهم السفينة، فوقعت القرعة على نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، وهم يضنون به أن يلقى من بينهم، فتجرد من ثيابه ليلقي نفسه، وهم يأبون عليه ذلك، وأمر الله تعالى حوتاً من البحر الأخضر أن يشق البحار، وأن يلتقم يونس عليه السلام، فلا يهشم له لحماً، ولا يكسر له عظماً، فجاء ذلك الحوت، وألقى يونس عليه السلام نفسه، فالتقمه الحوت وذهب به، فطاف به البحار كلها. ولما استقر يونس في بطن الحوت، حسب أنه قد مات، ثم حرك رأسه ورجليه وأطرافه، فإذا هو حي، فقام فصلى في بطن الحوت، وكان من جملة دعائه يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يبلغه أحد من الناس، واختلفوا في مقدار ما لبث في بطن الحوت، فقيل ثلاثة أيام، قاله قتادة. وقيل سبعة، قاله جعفر الصادق رضي الله عنه، وقيل أربعين يوماً، قاله أبو مالك. وقال مجاهد عن الشعبي التقمه ضحى، ولفظه عشية، والله تعالى أعلم بمقدار ذلك، وفي شعر أمية بن أبي الصلت
وأَنْتَ بفَضْلٍ منكَ نَجَّيْتَ يونُساً وقَدْ باتَ في أضعافِ حُوتِ لَيالِيا   
وقوله تعالى { فَلَوْلآ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء. قاله الضحاك بن قيس وأبو العالية ووهب بن منبه وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير، وقد ورد في الحديث الذي سنورده إن شاء الله تعالى ما يدل على ذلك إن صح الخبر، وفي حديث ابن عباس " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والضحاك وعطاء بن السائب والسدي والحسن وقتادة { فَلَوْلآ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } يعني المصلين، وصرح بعضهم بأنه كان من المصلين قبل ذلك، وقال بعضهم كان من المسبحين في جوف أبويه، وقيل المراد { فَلَوْلآ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } هو قوله عز وجلفَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلآ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

السابقالتالي
2 3