الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره، رد إلى الضعف بعد القوة، والعجز بعد النشاط كما قال تبارك وتعالىٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } الروم 54 وقال عز وجلوَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } النحل 70 والمراد من هذا ــــ والله أعلم ــــ الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } ، أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثم إلى الشيخوخة ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة. وقوله تبارك وتعالى { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ } يقول عز وجل مخبراً عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه ما علمه الشعر، { وَمَا يَنبَغِى لَهُ } أي ما هو في طبعه، فلا يحسنه ولا يحبه، ولا تقتضيه جبلته، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم، بل إن أنشده، زحفه، أو لم يتمه. وقال أبو زرعة الرازي حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي أنه قال ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب الذي أكله الأسد بالزرقاء. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد عن الحسن، هو البصري، قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت كَفى بالإسلامِ والشَّيْبِ للمَرْء ناهِياً فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهياً قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما أشهد أنك رسول الله، يقول تعالى { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ }. وهكذا روى البيهقي في " الدلائل " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه " أنت القائلأَتجعلُ نهبي ونَهْبَ العبيدِ بين الأقرعِ وعُيَيْنَة- " ؟ فقال إنما هو بين عيينة والأقرع، فقال صلى الله عليه وسلم " الكل سواء " يعني في المعنى، صلوات الله وسلامه عليه، والله أعلم. وقد ذكر السهيلي في " الروض الأنف " لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه صلى الله عليه وسلم في هذا البيت مناسبة أغرب فيها، حاصلها شرف الأقرع بن حابس على عيينة بن بدر الفزاري لأنه ارتد أيام الصديق رضي الله عنه، بخلاف ذاك، والله أعلم، وهكذا روى الأموي في مغازيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر وهو يقول

السابقالتالي
2 3 4