الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } * { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }

يقول تبارك وتعالى ودلالة لهم أيضاً على قدرته تبارك وتعالى تسخيره البحر ليحمل السفن، فمن ذلك بل أوله سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، التي أنجاه الله تعالى فيها بمن معه من المؤمنين الذين لم يبق على وجه الأرض من ذرية آدم عليه الصلاة والسلام غيرهم، ولهذا قال عز وجل { وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } أي آباءهم { فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أي في السفينة المملوءة من الأمتعة والحيوانات، التي أمره الله تبارك وتعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين. قال ابن عباس رضي الله عنهما المشحون الموقر، وكذا قال سعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي. وقال الضحاك وقتادة وابن زيد وهي سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. وقوله جل وعلا { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما يعني بذلك الإبل، فإنها سفن البر، يحملون عليها ويركبونها، وكذا قال عكرمة ومجاهد والحسن وقتادة في رواية، وعبد الله بن شداد وغيرهم. وقال السدي في رواية هي الأنعام. وقال ابن جرير حدثنا الفضل بن الصباح، حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال أتدرون ما قوله تعالى { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ }؟ قلنا لا، قال هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح عليه الصلاة والسلام على مثلها، وكذا قال أبو مالك والضحاك وقتادة وأبو صالح والسدي أيضاً المراد بقوله تعالى { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } أي السفن، ويقوي هذا المذهب في المعنى قوله جل وعلاإِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ } الحاقة 11 ــــ 12. وقوله عز وجل { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } يعني الذين في السفن، { فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ } أي لا مغيث لهم مما هم فيه { وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } أي مما أصابهم { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا } وهذا استثناء منقطع تقديره ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر، ونسلمكم إلى أجل مسمى، ولهذا قال تعالى { وَمَتَـٰعاً إِلَىٰ حِينٍ } أي إلى وقت معلوم عند الله عز وجل.