الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } * { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ }

قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه إن أهل القرية هموا بقتل رسلهم، فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى، أي لينصرهم من قومه، قالوا وهو حبيب، وكان يعمل الجرير، وهو الحبال، وكان رجلاً سقيماً قد أسرع فيه الجذام، وكان كثير الصدقة، يتصدق بنصف كسبه، مستقيم الفطرة. وقال ابن إسحاق عن رجل سماه عن الحكم عن مقسم، أو عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال اسم صاحب يس حبيب، وكان الجذام قد أسرع فيه. وقال الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسمه حبيب بن مري. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اسم صاحب يس حبيب النجار، فقتله قومه. وقال السدي كان قصاراً. وقال عمر بن الحكم كان إسكافاً. وقال قتادة كان يتعبد في غار هناك، { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْـأَلُكُمْ أَجْراً } أي على إبلاغ الرسالة، وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له { وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } أي وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني وحده لاشريك له { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي يوم المعاد، فيجازيكم على أعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، { أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً } استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } أي هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه لايملكون من الأمر شيئاً، فإن الله تعالى لو أرادني بسوء،فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } الأنعام 17 وهذه الأصنام لا تملك دفع ذلك، ولا منعه، ولا ينقذونني مما أنا فيه { إِنِّىۤ إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي إن اتخذتها آلهة من دون الله. وقوله تعالى { إِنِّىۤ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب ووهب يقول لقومه { إِنِّىۤ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ } الذي كفرتم به { فَٱسْمَعُونِ } أي فاسمعوا قولي. ويحتمل أن يكون خطابه للرسل بقوله { إِنِّىۤ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ } أي الذي أرسلكم، { فَٱسْمَعُونِ } أي فاشهدوا لي بذلك عنده، وقد حكاه ابن جرير، فقال وقال آخرون بل خاطب بذلك الرسل، وقال لهم اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، إني آمنت بربكم واتبعتكم، وهذا القول الذي حكاه عن هؤلاء أظهر في المعنى، والله أعلم. قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب ووهب رضي الله عنهما فلما قال ذلك، وثبوا عليه وثبة رجل واحد، فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه. وقال قتادة جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون، فلم يزالوا به حتى أقعصوه، وهو يقول كذلك، فقتلوه رحمه الله.