الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

يقول تعالى ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم، المصدق لما بين يديه من الكتب، الذين اصطفينا من عبادنا، وهم هذه الأمة، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع، فقال تعالى { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ } وهو المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات، { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } وهو المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات، { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللهِ } وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } قال هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب. وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، وعبد الرحمن بن معاوية العتبي قالا حدثنا أبو الطاهر بن السرح، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " قال ابن عباس رضي الله عنهما السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وكذا روي عن غير واحد من السلف أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين، على ما فيه من عوج وتقصير. وقال آخرون بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة، ولا من المصطفين الوارثين للكتاب. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق، حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما فمنهم ظالم لنفسه، قال هو الكافر. وكذا روى عنه عكرمة، وبه قال عكرمة أيضاً فيما رواه ابن جرير. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى { مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ } قال هم أصحاب المشأمة. وقال مالك عن زيد بن أسلم والحسن وقتاده هو المنافق، ثم قد قال ابن عباس والحسن وقتاده وهذه الأقسام الثلاثة كالأقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة الواقعة وآخرها، والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الأية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضاً ونحن إن شاء الله تعالى نورد منها ما تيسر. الحديث الأول قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللهِ } قال

السابقالتالي
2 3 4 5