الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

يقول تعالى منبهاً على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزله من السماء، يخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض، إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها كما قال تعالى في الآية الأخرىوَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرَٰتٌ وَجَنَّـٰتٌ مِّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوَٰنٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الرعد 4. وقوله تبارك وتعالى { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا } أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان، كما هو المشاهد أيضاً من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق، وهي الجدد، جمع جدة، مختلفة الألوان أيضاً. قال ابن عباس رضي الله عنهما الجدد الطرائق، وكذا قال أبو مالك والحسن وقتاده والسدي، ومنها غرابيب سود. قال عكرمة الغرابيب الجبال الطوال السود، وكذا قال أبو مالك وعطاء الخراساني وقتادة. وقال ابن جرير والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد قالوا أسود غربيب، ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } أي سود غرابيب، وفيما قاله نظر. وقوله تعالى { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُ كَذَلِكَ } أي كذلك الحيوانات من الأناسي والدواب، وهو كل ما دب على القوائم، والأنعام، من باب عطف الخاص على العام، كذلك هي مختلفة أيضاً، فالناس منهم بربر وحبوش وطماطم في غاية السواد وصقالبة وروم في غاية البياض، والعرب بين ذلك، والهنود دون ذلك، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرىوَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ } الروم 22 وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان، حتى في الجنس الواحد، بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان، بل الحيوان الواحد يكون أبلق، فيه من هذا اللون وهذا اللون، فتبارك الله أحسن الخالقين. وقد قال الحافظ أبو بكر البزارفي مسنده حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح، حدثنا زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيصبغ ربك؟ قال صلى الله عليه وسلم " نعم صبغاً لا ينفض أحمر وأصفر وأبيض " وروي مرسلاً وموقوفاً، والله أعلم. ولهذا قال تعالى بعد هذا { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر.

السابقالتالي
2