الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

يقول تعالى منبهاً على قدرته العظيمة في خلقه الأشياء المختلفة خلق البحرين العذب الزلال، وهو هذه الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار والعمران، والبراري والقفار، وهي عذبة سائغ شرابها لمن أراد ذلك، { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي مر، وهو البحر الساكن الذي تسير فيه السفن الكبار، وإنما تكون مالحة زعافاً مرة، ولهذا قال { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي مر. ثم قال تعالى { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } يعني السمك { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } كما قال عز وجليَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ فَبِأَىِّ ءَالاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِى ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلَـٰمِ } ؟ الرحمن 22 ــــ 23 وقوله جل وعلا { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } أي تمخره وتشقه بحيزومها، وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير، وهو صدره، وقال مجاهد تمخر الريح السفن، ولا يمخر الريح من السفن إلا العظام. وقوله جل وعلا { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي بأسفاركم بالتجارة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم، وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، تذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شيء منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض، الجميع من فضله ورحمته.