الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

كثيراً ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها كما في أول سورة الحج، ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها، فإذا أرسل إليها السحاب، تحمل الماء، وأنزله عليهاٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } الحج 5 كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها، أنزل من تحت العرش مطراً يعم الأرض جميعاً، فتنبت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض، ولهذا جاء في الصحيح " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب " ولهذا قال تعالى { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } وتقدم في الحج حديث أبي رزين قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال صلى الله عليه وسلم " يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلاً، ثم مررت به يهتز خضراً؟ " قلت بلى، قال صلى الله عليه وسلم " فكذلك يحيي الله الموتى " وقوله تعالى { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعاً كما قال تعالىٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } النساء 139 وقال عز وجلوَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } يونس 65 وقال جل جلالهوَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } المنافقون 8 قال مجاهد { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } وقال قتادة { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي فليتعزز بطاعة الله عز وجل، وقيل من كان يريد علم العزة لمن هي؟ { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } وحكاه ابن جرير. وقوله تبارك وتعالى { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } يعني الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غير واحد من السلف. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، أخبرني جعفر بن عون عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه المخارق بن سليم قال قال لنا عبد الله، هو ابن مسعود رضي الله عنه إذا حدثناكم بحديث، أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى، إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك، فجعلهن تحت جناحه، ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا واستغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الله عز وجل، ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، أخبرنا سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق قال قال كعب الأحبار إن لسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل يذكرن لصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن، وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار رحمة الله عليه، وقد روي مرفوعاً.

السابقالتالي
2 3 4