الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }

يقول تبارك وتعالى ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة، فلا فوت، أي فلا مفر لهم، ولا وزر لهم ولا ملجأ، { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب، بل أخذوا من أول وهلة. قال الحسن البصري حين خرجوا من قبورهم. وقال مجاهد وعطية العوفي وقتاده من تحت أقدامهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك يعني عذابهم في الدنيا. وقال عبد الرحمن ابن زيد يعني قتلهم يوم بدر، والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة، وهو الطامة العظمى، وإِن كان ما ذكر متصلاً بذلك. وحكى ابن جرير عن بعضهم قال إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس رضي الله عنهم. ثم أورد في ذلك حديثاً موضوعاً بالكلية، ثم لم ينبه على ذلك، وهذا أمر عجيب غريب منه. { وَقَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِهِ } أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالىوَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا } السجدة 12 ولهذا قال تعالى { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } أي وكيف لهم تعاطي الإيمان، وقد بعدوا عن محل قبوله منهم، وصاروا إلى الدار الآخرة، وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء؟ فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم، ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد. قال مجاهد { وَأَنَّىٰ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلتَّنَاوُشُ } قال التناول لذلك. وقال الزهري التناوش تناولهم الإيمان وهم في الآخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا، وقال الحسن البصري أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال، تعاطوا الإيمان من مكان بعيد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما طلبوا الرجعة إلى الدنيا، والتوبة مما هم فيه، وليس بحين رجعة ولا توبة، وكذا قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله. وقوله تعالى { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة، وقد كفروا بالحق في الدنيا، وكذبوا الرسل؟ { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } قال مالك عن زيد بن أسلم { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } قال بالظن، قلت كما قال تعالىرَجْماً بِٱلْغَيْبِ } الكهف 22 فتارة يقولون شاعر، وتارة يقولون كاهن، وتارة يقولون ساحر، وتارة يقولون مجنون، إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد، ويقولونإِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } الجاثية 32 قال قتادة ومجاهد يرجمون بالظن لا بعث، ولا جنة، ولانار. وقوله تعالى { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما يعني الإيمان. وقال السدي { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } وهي التوبة، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله.

السابقالتالي
2 3