يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم وآمراً بالتأسي بمن قبله من الرسل، ومخبره بأنه ما بعث نبياً في قرية إِلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤهم كما قال قوم نوح عليه الصلاة والسلام{ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } الشعراء 111{ وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْى } هود 27 وقال الكبراء من قوم صالح{ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِىۤ ءَامَنتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } الأعراف 75 ــــ 76 وقال عز وجل{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } ؟ الأنعام 53 وقال تعالى{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } الأنعام 123 وقال جل وعلا{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } الإسراء 16 وقال جل وعلا ههنا { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } أي نبي أو رسول { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة، قال قتادة هم جبابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } أي لا نؤمن به، ولا نتبعه. قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هارون بن إِسحاق، حدثنا محمد ابن عبد الوهاب عن سفيان بن عاصم عن أبي رزين قال كان رجلان شريكان، خرج أحدهما إلى الساحل، وبقي الآخر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إِلى صاحبه يسأله ما فعل، فكتب إِليه أنه لم يتبعه أحد من قريش، إِنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال فترك تجارته، ثم أتى صاحبه فقال دلني عليه، قال وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إِلام تدعو؟ قال " أدعو إلى كذا وكذا " قال أشهد أنك رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم " وما علمك بذلك؟ " قال إِنه لم يبعث نبي إِلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال فنزلت هذه الآية { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } الآية، قال فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم " إِن الله عز وجل قد أنزل تصديق ما قلت " وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، قال فيها وسألتك أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم؟ فزعمت بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل. وقال تبارك وتعالى إِخباراً عن المترفين المكذبين { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَٰلاً وَأَوْلَـٰداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم، واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك، قال الله تعالى