الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

بيّن تبارك وتعالى أنه الإله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا نظير له، ولا شريك له، بل هو المستقل بالأمر وحده من غير مشارك ولا منازع ولا معارض، فقال { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي من الآلهة التي عبدت من دونه { لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } كما قال تبارك وتعالىوَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قَطْمِيرٍ } فاطر 13 وقوله تعالى { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } أي لا يملكون شيئاً استقلالاً، ولا على سبيل الشركة { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } أي وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور، بل الخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه، قال قتادة في قوله عز وجل { مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ } من عون يعينه بشيء. ثم قال تعالى { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترىء أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال عز وجلمَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } البقرة 255 وقال جل وعلاوَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } النجم 26 وقال تعالىوَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } الأنبياء 28 ولهذا ثبت في " الصحيحين " من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله تعالى أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم أن يأتي ربهم لفصل القضاء قال " فأسجد لله تعالى، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع " الحديث بتمامه. وقوله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السماوات كلامه، أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي، قاله ابن مسعود رضي الله عنه، ومسروق وغيرهما { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي زال الفزع عنها، قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي وإبراهيم النخعي والضحاك والحسن وقتادة في قوله عز وجل { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } يقول خلي عن قلوبهم، وقرأ بعض السلف، وجاء مرفوعاً إذا فرغ، بالغين المعجمة، ويرجع إلى الأول، فإذا كان كذلك، سأل بعضهم بعضاً ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا، ولهذا قال تعالى { قَالُواْ ٱلْحَقَّ } أي أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان، { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ }.

السابقالتالي
2 3