الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }

لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام من تسخير الريح له، تحمل بساطه، غدوها شهر ورواحها شهر. قال الحسن البصري كان يغدو على بساطه من دمشق، فينزل باصطخر يتغذى بها، ويذهب رائحاً من اصطخر فيبيت بكابل، وبين دمشق واصطخر شهر كامل للمسرع، وبين اصطخر وكابل شهر كامل للمسرع. وقوله تعالى { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } قال ابن عباس رضي لله عنهما ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد القطر النحاس. قال قتادة وكانت باليمن، فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى لسليمان عليه السلام. قال السدي وإنما أسيلت له ثلاثة أيام. وقوله تعالى { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن ربه. أي بقدره وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أي ومن يعدل ويخرج منهم عن الطاعة { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } وهو الحريق. وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثاً غريباً، فقال حدثنا أبي حدثنا أبو صالح، حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزهراء عن جبير بن نفير، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجن على ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون " رفعه غريب جداً. وقال أيضاً حدثنا أبي، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن مضر عن محمد بن بحير عن ابن أنعم أنه قال الجن ثلاثة أصناف صنف لهم الثواب وعليهم العقاب، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض، وصنف حيات وكلاب. قال بكر بن مضر ولا أعلم إلا أنه قال حدثني أن الإنس ثلاثة أصناف صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة، وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، وصنف في صورة الناس على قلوب الشياطين. وقال أيضاً حدثنا أبي حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق، حدثنا سلمة، يعني ابن الفضل، عن إسماعيل عن الحسن قال الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء مؤمنون، ومن هؤلاء مؤمنون، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً، فهو ولي الله تعالى، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان. وقوله تعالى { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَـٰرِيبَ وَتَمَـٰثِيلَ } أما المحاريب، فهي البناء الحسن، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره. وقال مجاهد المحاريب بنيان دون القصور. وقال الضحاك هي المساجد، وقال قتادة هي القصور والمساجد.

السابقالتالي
2