الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

يقول تعالى موطئاً قبل المقصود المعنوي أمراً معروفاً حسياً، وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، ولاتصير زوجته التي يظاهر منها بقوله أنت علي كظهر أمي، أماً له، كذلك لا يصير الدعي ولداً للرجل إِذا تبناه فدعاه ابناً له، فقال { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } كقوله عز وجلنِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ إِنْ أُمَّهَـٰتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ } المجادلة 2 الآية. وقوله تعالى { مِنْهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } هذا هو المقصود بالنفي، فإِنها نزلت في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة، فكان يقال له زيد بن محمد، فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله تعالى { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ } كما قال تعالى في أثناء السورة { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } وقال ههنا { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَٰهِكُمْ } يعني تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابناً حقيقياً، فإِنه مخلوق من صلب رجل آخر، فما يمكن أن يكون أبوان، كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } قال سعيد بن جبير { يَقُولُ ٱلْحَقَّ } أي العدل، وقال قتادة { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } أي الصراط المستقيم. وقد ذكر غير واحد أن هذه الآية نزلت في رجل من قريش كان يقال له ذو القلبين، وأنه كان يزعم أن له قلبين، كل منهما بعقل وافر، فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليه. هكذا روى العوفي عن ابن عباس، وقاله مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة، واختاره ابن جرير وقال الإمام أحمد حدثنا حسن، حدثنا زهير عن قابوس، يعني ابن أبي ظبيان، قال إِن أباه حدثه قال قلت لابن عباس أرأيت قول الله تعالى { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن } ما عنى بذلك؟ قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي، فخطر خطرة، فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون له قلبين قلباً معكم، وقلباً معهم؟ فأنزل الله تعالى { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن صاعد الحراني، عن عبد بن حميد، وعن أحمد بن يونس، كلاهما عن زهير، وهو ابن معاوية، به. ثم قال وهذا حديث حسن، وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زهير به. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري في قوله تعالى { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } قال بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة، ضرب له مثل يقول ليس ابن رجل آخر ابنك، وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد إنها نزلت في زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهذا يوافق ما قدمناه من التفسير، والله سبحانه وتعالى أعلم.

السابقالتالي
2 3 4