الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } * { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

يمدح تبارك وتعالى { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالـٰتِ } أي إلى خلقه، ويؤدونها بأماناتها، { وَيَخْشَوْنَهُ } أي يخافونه، ولا يخافون أحداً سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إِبلاغ رسالات الله تعالى، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي وكفى بالله ناصراً ومعيناً، وسيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإِنه قام بأداء الرسالة، وإِبلاغها إِلى أهل المشارق والمغارب، إِلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله تعالى كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع، فإِنه قد كان النبي قبله إِنما يبعث إِلى قومه خاصة، وأما هو صلى الله عليه وسلم فإِنه بعث إِلى جميع الخلق عربهم وعجمهمقُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } الأعراف 151 ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي الله عنهم، بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضي الله عنهم وأرضاهم، ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إِلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون، فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم. قال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير، أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال، ثم لا يقول، فيقول الله ما يمنعك أن تقول فيه؟ فيقول رب خشيت الناس، فيقول فأنا أحق أن يخشى " ورواه أيضاً عن عبد الرزاق عن الثوري عن زبيد عن عمرو بن مرة. ورواه ابن ماجه عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير وأبي معاوية، كلاهما عن الأعمش به. وقوله تعالى { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ } نهى أن يقال بعد هذا زيد بن محمد، أي لم يكن أباه، وإِن كان قد تبناه، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم، فإِنه صلى الله عليه وسلم ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة رضي الله عنها، فماتوا صغاراً، وولد له صلى الله عليه وسلم إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضاً رضيعاً، وكان له صلى الله عليه وسلم من خديجة أربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فمات في حياته صلى الله عليه وسلم ثلاث، وتأخرت فاطمة رضي الله عنها حتى أصيبت به صلى الله عليه وسلم ثم ماتت بعده لستة أشهر. وقوله تعالى { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } كقوله عز وجل

السابقالتالي
2 3 4