الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

قد تقدم أن بني قريظة لما قدمت جنود الأحزاب، ونزلوا على المدينة، نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد، وكان ذلك بسفارة حيي بن أخطب النضري لعنه الله، دخل حصنهم، ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد، وقال له فيما قال ويحك قد جئتك بعز الدهر، أتيتك بقريش وأحابيشها، وغطفان وأتباعها، ولا يزالون ههنا حتى يستأصلوا محمداً وأصحابه، فقال له كعب بل والله أتيتني بذل الدهر، ويحك ياحيي إنك مشؤوم، فدعنا منك، فلم يزل يفتل في الذروة والغارب حتى أجابه، واشترط له حيي إن ذهب الأحزاب، ولم يكن من أمرهم شيء، أن يدخل معهم في الحصن، فيكون له أسوتهم، فلما نقضت قريظة، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ساءه، وشق عليه وعلى المسلمين جداً، فلما أيده الله تعالى ونصره، وكبت الأعداء وردهم خائبين بأخسر صفقة، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيداً منصوراً، ووضع الناس السلاح، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة رضي الله عنها، إذ تبدى له جبريل عليه الصلاة والسلام معتجراً بعمامة من إستبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج، فقال أوضعت السلاح يارسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم " نعم " قال لكن الملائكة لم تضع أسلحتها، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم، ثم قال إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة، وفي رواية فقال له عذيرك من مقاتل، أوضعتم السلاح؟ قال " نعم " قال لكنا لم نضع أسلحتنا بعد، انهض إلى هؤلاء، قال صلى الله عليه وسلم " أين؟ " قال بني قريظة فإن الله تعالى أمرني أن أزلزل عليهم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوره، وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة، وكانت على أميال من المدينة، وذلك بعد صلاة الظهر، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " فسار الناس، فأدركتهم الصلاة في الطريق، فصلى بعضهم في الطريق، وقالوا لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير، وقال آخرون لا نصليها إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحداً من الفريقين، وتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم نازلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، فلما طال عليه الحال، نزلوا على حكم سعد ين معاذ سيد الأوس رضي الله عنه لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية، واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك، كما فعل عبد الله ابن أبي ابن سلول في مواليه بني قينقاع، حين استطلقهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن هؤلاء أن سعداً سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك، ولم يعلموا أن سعداً رضي الله عنه كان قد أصابه سهم في أكحله أيام الخندق، فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكحله، وأنزله في قبة المسجد ليعوده من قريب، وقال سعد رضي الله عنه فيما دعا به اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً، فأبقني لها، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستجاب الله تعالى دعاءه، وقدر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلباً من تلقاء أنفسهم، فعند ذلك استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم فيهم، فلما أقبل، وهو راكب على حمار قد وطَّؤوا له عليه، جعل الأوس يلوذون به ويقولون ياسعد إنهم مواليك، فأحسن فيهم، ويرققونه عليهم ويعطفونه، وهو ساكت لا يرد عليهم، فلما أكثروا عليه قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم.

السابقالتالي
2 3 4 5