الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

ولهذا قال تعالى { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَـٰهَرُوهُم } أي عاونوا الأحزاب، وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بني إسرائيل، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديماً طمعاً في اتباع النبي الأمي الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل،فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } البقرة 89 فعليهم لعنة الله. وقوله تعالى { مِن صَيَاصِيهِمْ } يعني حصونهم، كذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والسدي وغيرهم من السلف، ومنه سمي صياصي البقر، وهي قرونها لأنها أعلى شيء فيها، { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } وهو الخوف، لأنهم كانوا مالؤوا المشركين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وليس من يعلم كمن لا يعلم، فأخافوا المسلمين، وراموا قتالهم ليعزوا في الدنيا، فانعكس عليهم الحال، وانقلبت إليهم القال، انشمر المشركون، ففازوا بصفقة المغبون، فكما راموا العز، ذلوا، وأرادوا استئصال المسلمين، فاستؤصلوا، وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة، فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة، ولهذا قال تعالى { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } فالذين قتلوا هم المقاتلة، والأسراء هم الأصاغر والنساء. وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم بن بشير، أخبرنا عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فشكوا في، فأمر بي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا هل أنبت بعد؟ فنظروني، فلم يجدوني أنبت، فخلي عني، وألحقني بالسبي، وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق عن عبد الملك بن عمير به. وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه النسائي أيضاً من حديث ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عطية بنحوه. وقوله تعالى { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـٰرَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ } أي جعلها لكم من قتلكم لهم، { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } قيل خيبر، وقيل مكة، رواه مالك عن زيد بن أسلم، وقيل فارس والروم، وقال ابن جرير يجوز أن يكون الجميع مراداً، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيراً }. قال الإمام أحمد حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال أخبرتني عائشة رضي الله عنها قالت خرجت يوم الخندق أقفو الناس، فسمعت وئيد الأرض ورائي، فإذا أنا بسعد بن معاذ رضي الله عنه، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة، قالت فجلست إلى الأرض، فمر سعد رضي الله عنه، وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت وكان سعد رضي الله عنه من أعظم الناس وأطولهم، فمر وهو يرتجز ويقول
لَبِّثْ قَليلاً يَشْهَدِ الهَيْجا حَمَلْ ما أَحْسَنَ المَوْتَ إذا حانَ الأَجَلْ   
قالت فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيهم رجل عليه تسبغة له، تعني المغفر، فقال عمر رضي الله عنه ما جاء بك؟ لعمري والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز؟ قالت فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت بي ساعتئذ، فدخلت فيها، فرفع الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا هو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، فقال ياعمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى؟ قالت ورمى سعداً رضي الله عنه رجل من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له، وقال له خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله، فقطعه، فدعا الله تعالى سعد رضي الله عنه فقال اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، قالت وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، قالت فرقأ كَلْمه، وبعث الله تعالى الريح على المشركين { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } ، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد رضي الله عنه في المسجد، قالت فجاءه جبريل عليه السلام، وإن على ثناياه لنقع الغبار، فقال أوقد وضعت السلاح؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم، قالت فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا، فمر على بني تميم، وهم جيران المسجد، فقال

PreviousNext
1 2 4 5