الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } * { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً }

يقول الله تعالى مخبراً عن ذلك الحال حين نزلت الأحزاب حول المدينة، والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم أنهم ابتلوا واختبروا وزلزلوا زلزالاً شديداً، فحينئذ ظهر النفاق، وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } أما المنافق، فنجم نفاقه، والذي في قلبه شبهة أو حسيكة لضعف حاله، فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه لضعف إِيمانه وشدة ماهو فيه من ضيق الحال، وقوم آخرون قالوا كما قال الله تعالى { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } يعني المدينة. كما جاء في الصحيح " أريت في المنام دار هجرتكم، أرض بين حرتين، فذهب وهلي أنها هجر، فإِذا هي يثرب " وفي لفظ المدينة. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا إِبراهيم بن مهدي، حدثنا صالح بن عمر عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمى المدينة يثرب، فليستغفر الله تعالى، إِنما هي طابة هي طابة " تفرد به الإمام أحمد، وفي إِسناده ضعف، والله أعلم. ويقال إنما كان أصل تسميتها يثرب برجل نزلها من العماليق يقال له يثرب بن عبيد بن مهلاييل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إِرم بن سام بن نوح، قاله السهيلي. قال وروي عن بعضهم أنه قال إِن لها في التوراة أحد عشر اسماً المدينة وطابة وطيبة والمسكينة والجابرة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة. وعن كعب الأحبار قال إِنا نجد في التوراة يقول الله تعالى للمدينة ياطيبة وياطابة ويامسكينة لا تُقلي الكنوز، أرفع أحاجرك على أحاجر القرى. وقوله { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي ههنا، يعنون عند النبي صلى الله عليه وسلم في مقام المرابطة، { فَٱرْجِعُواْ } أي إِلى بيوتكم ومنازلكم، { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ } قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هم بنو حارثة قالوا بيوتنا نخاف عليها السراق، وكذا قال غير واحد، وذكر ابن إِسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي، يعني اعتذروا في الرجوع إِلى منازلهم بأنها عورة، أي ليس دونها ما يحجبها من العدو، فهم يخشون عليها منهم، قال الله تعالى { وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ } أي ليست كما يزعمون، { إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } أي هرباً من الزحف.