الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }

يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإِحسانه إِلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم، وهزمه إِياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا، وذلك عام الخندق، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على الصحيح المشهور. وقال موسى بن عقبة وغيره كان في سنة أربع. وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بن النضير الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إِلى خيبر، منهم سلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع، خرجوا إِلى مكة، فاجتمعوا بأشراف قريش، وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة، فأجابوهم إِلى ذلك، ثم خرجوا إِلى غطفان، فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً، وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها، وقائدها أبو سفيان صخر بن حرب، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم، أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة ممايلي الشرق، وذلك بإِشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا، ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر، وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات. وجاء المشركون، فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد، ونزلت طائفة منهم أعالي أرض المدينة، كما قال الله تعالى { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، وهم نحو ثلاثة آلاف، وقيل سبعمائة، فأسندوا ظهورهم إِلى سلع، ووجوههم إِلى نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم، يحجب الخيالة والرجالة أن تصل إِليهم، وجعل النساء والذراري في آطام المدينة، وكانت بنو قريظة، وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل، فذهب إِليهم حيي بن أخطب النضري، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد، ومالؤا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم الخطب، واشتد الأمر، وضاق الحال كما قال الله تبارك وتعالى { هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من شهر، إِلا أنهم لا يصلون إِليهم، ولم يقع بينهم قتال، إِلا أن عمرو بن عبد ودّ العامري، وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية، ركب ومعه فوارس، فاقتحموا الخندق، وخلصوا إِلى ناحية المسلمين، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل المسلمين إِليه، فيقال إِنه لم يبرز أحد، فأمر علياً رضي الله عنه، فخرج إِليه، فتجاولا ساعة، ثم قتله علي رضي الله عنه، فكان علامة النصر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6