الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله موسى عليه السلام أنه آتاه الكتاب، وهو التوراة، وقوله تعالى { فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } قال قتادة يعني به ليلة الإسراء، ثم روي عن أبي العالية الرياحي قال حدثني ابن عم نبيكم، يعني ابن عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً آدم طوالاً جعداً، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن النار والدجال " في آيات أراهن الله إياه، { فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } أنه قد رأى موسى، ولقي موسى ليلة أسري به. وقال الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي العالية، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَٰءِيلَ } قال جعل موسى هدى لبني إسرائيل، وفي قوله { فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } قال من لقاء موسى ربه عز وجل. وقوله تعالى { وَجَعَلْنَاهُ } أي الكتاب الذي آتيناه { هُدًى لِّبَنِى إِسْرَٰءِيلَ } كما قال تعالى في سورة الإسراءوَءَاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَٰءِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاً } الإسراء 2. وقوله { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِـآيَـٰتِنَا يُوقِنُونَ } أي لما كانوا صابرين على أوامر الله، وترك زواجره، وتصديق رسله، واتباعهم فيما جاؤوهم به، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ثم لما بدلوا وحرفوا وأولوا، سلبوا ذلك المقام، وصارت قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه، فلا عملاً صالحاً، ولا اعتقاداً صحيحاً، ولهذا قال تعالى { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } قال قتادة وسفيان لما صبروا عن الدنيا. وكذلك قال الحسن بن صالح. قال سفيان هكذا كان هؤلاء، ولا ينبغي للرجل أن يكون إماماً يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا. قال وكيع قال سفيان لا بد للدين من العلم، كما لا بد للجسد من الخبز. وقال ابن بنت الشافعي قرأ أبي على عمي، أو عمي على أبي سئل سفيان عن قول علي رضي الله عنه الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ألم تسمع قوله { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِـآيَـٰتِنَا يُوقِنُونَ } قال لما أخذوا برأس الأمر، صاروا رؤساء. قال بعض العلماء بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ولهذا قال تعالىوَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ وَءاتَيْنَـٰهُم بَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } الجاثية 16 ــــ 17 الآية، كما قال هنا { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي من الاعتقادات والأعمال.