الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه وجلاله وأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها كما قال سيد البشر وخاتم الرسل " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " فقال تعالى { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } أي ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً، وجعل البحر مداداً، وأمده سبعة أبحر معه، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله، لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر، ولو جاء أمثالها مدداً، وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة، ولم يرد الحصر، ولا أن ثم سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم كما يقوله من تلقاه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، بل كما قال تعالى في الآية الأخرىقُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَـٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } الكهف 109 فليس المراد بقوله { بِمِثْلِهِ } آخر فقط، بل بمثله، ثم بمثله، ثم بمثله، ثم هلم جراً، لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته. قال الحسن البصري لو جعل شجر الأرض أقلاماً، وجعل البحر مداداً، وقال الله إن من أمري كذا، ومن أمري كذا، لنفد ماء البحر، وتكسرت الأقلام. وقال قتادة قال المشركون إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، فقال الله تعالى { وَلَوْ أَنَّمَا فِى ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } أي لو كان شجر الأرض أقلاماَ، ومع البحر، سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه. وقال الربيع بن أنس إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها، وقد أنزل الله في ذلك { وَلَوْ أَنَّمَا فِى ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } الآية، يقول لو كان البحر مداداً لكلمات الله، والأشجار كلها أقلاماً، لا نكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة، لا يفنيها شيء لأن أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا يثني كما ينبغي، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه، إن ربنا كما يقول، وفوق ما نقول. وقد روي أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود. قال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جيبر أو عكرمة عن ابن عباس أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يا محمد أرأيت قولكوَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } الإسراء 85 إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلاكما " قالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2