الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ }

يقول تعالى كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون، وهم مع ذلك مدبرون عنك، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق، وردهم عن ضلالتهم، بل ذلك إلى الله، فإنه تعالى بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وليس ذلك لأحد سواه، ولهذا قال تعالى { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِـأَيَـٰتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي خاضعون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتبعونه، وهذا حال المؤمنين، والأول مثل الكافرين، كما قال تعالىإِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } الأنعام 36 وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر بعد ثلاثة أيام، ومعاتبته إياهم، وتقريعه لهم، حتى قال عمر يا رسول الله ما تخاطب من قوم قد جيّفوا؟ فقال " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون " وتأولته عائشة على أنه قال " إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " وقال قتادة أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعاً وتوبيخاً ونقمة. والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححاً له عن ابن عباس مرفوعاً " ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ". وثبت عنه صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول المسلم السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب، لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له، ويستبشر، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده، إلا استأنس به، وردّ عليه حتى يقوم " وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا مر الرجل بقبر يعرفه، فسلم عليه، رد عليه السلام، وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن رجل من آل عاصم الجحدري قال رأيت عاصم الجحدري في منامي بعد موته بسنتين، فقلت أليس قد مِتَّ؟ قال بلى، قلت فأين أنت؟ قال أنا والله في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني، فنتلقى أخباركم قال قلت أجسامكم أم أرواحكم؟ قال هيهات، قد بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح، قال قلت فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال نعلم بها عشية الجمعة، ويوم الجمعة كله، ويوم السبت إلى طلوع الشمس قال قلت فكيف ذلك دون الأيام كلها؟ قال لفضل يوم الجمعة وعظمته.

السابقالتالي
2 3