الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ }

يبين تعالى كيف يخلق السحاب الذي ينزل منه الماء، فقال تعالى { ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرِّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } إما من البحر كما ذكره غير واحد، أو مما يشاء الله عز وجل، { فَيَبْسُطُهُ فِى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ } أي يمده فيكثره وينميه، ويجعل من القليل كثيراً، ينشىء سحابة ترى في رأي العين مثل الترس، ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق، وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالاً مملوءة كما قال تعالىوَهُوَ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَـٰهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } ــــ إلى قوله ــــكَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } الأعراف 57 وكذلك قال ههنا { ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرِّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } قال مجاهد وأبو عمرو بن العلاء ومطر الوراق وقتادة يعني قطعاً. وقال غيره متراكماً كما قاله الضحاك. وقال غيره أسود من كثرة الماء، تراه مدلهماً ثقيلاً قريباً من الأرض. وقوله تعالى { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } أي فترى المطر، وهو القطر، يخرج من بين ذلك السحاب، { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم. وقوله تعالى { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر، كانوا قنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم، جاءهم على فاقة، فوقع منهم موقعاً عظيماً، وقد اختلف النحاة في قوله { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } فقال ابن جرير هو تأكيد، وحكاه عن بعض أهل العربية. وقال آخرون من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله، أي الإنزال، لمبلسين، ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس، ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، ومن قبله أيضاً قد فات عندهم نزوله وقتاً بعد وقت، فترقبوه في إبانه، فتأخر، ثم مضت مدة فترقبوه فتأخر، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط، فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة، أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال تعالى { فَٱنظُرْ إِلَىٰ ءَاثَـٰرِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ } يعني المطر { كَيْفَ يُحْىِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها، فقال تعالى { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات { إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } ثم قال تعالى { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } يقول تعالى { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا } يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه، فرأوه مصفراً، أي قد أصفر وشرع في الفساد، لظلوا من بعده، أي بعد هذا الحال، يكفرون، أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم كقوله تعالى

السابقالتالي
2