اختلف المفسرون في قوله تعالى { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ } فقال قتادة وغيره هذا من المقدم والمؤخر، تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك، يعني بعد ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إني متوفيك، أي مميتك. وقال محمد بن إسحاق عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال توفاه الله ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه الله إليه، قال ابن إسحاق والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات، ثم أحياه. وقال إسحاق بن بشر، عن إدريس عن وهب أماته الله ثلاثة أيام، ثم بعثه، ثم رفعه. وقال مطر الوراق إني متوفيك من الدنيا، وليس بوفاة موت، وكذا قال ابن جريح توفيه هو رفعه، وقال الأكثرون المراد بالوفاة ههنا ــــ النوم، كما قال تعالى{ وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } الأنعام 60 الآية. وقال تعالى{ بِوَكِـيلٍ * ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ } الزمر 42 الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول إذا قام من النوم " الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا " الحديث، وقال تعالى{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } - إلى قوله -{ بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } النساء 156 ـ 159 والضمير في قوله{ قَبْلَ مَوْتِهِ } النساء 159 عائد على عيسى عليه السلام، أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، حدثنا الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال في قوله تعالى { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } يعني وفاة المنام، رفعه الله في منامه. قال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود " إن عيسى لم يمت، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة " وقوله تعالى { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي برفعي إياك إلى السماء { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام، لما رفعه الله إلى السماء، تفرقت أصحابه شيعاً بعده، فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا هو الله، وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة.